المصري تصوغ مجوهرات مستوحاة من عراقة أم قيس وطبيعتها
الغد – رشا كناكرية
عمان- الشغف بالإكسسوارات التي تحمل عبق الماضي والحب العميق لطبيعة أم قيس الأثرية، كان مصدر الإلهام الذي دفع الشابة الأردنية جنى علي المصري لإطلاق مشروعها الفني الخاص “دحنونة”.
من خلال “دحنونة” تبدع جنى في صياغة مجوهرات مستوحاة من المدينة التي نشأت على حبها، مجسدة في تصاميمها التراث العريق.
“دحنونة” مشروع انطلق من قلب شمال الأردن، مقدماً تصاميم مميزة مستوحاة من قرية أم قيس، التي كانت تعرف قديماً باسم “جدارا”. ويُعد المشروع الوحيد الذي يقدم لزوار أم قيس هدايا تذكارية فريدة، تتمثل في قطع فنية تسرد حكاية المكان وتروي عراقة تاريخه.
وفي حديث خاص مع “الغد”، أوضحت المصري أنها تستوحي تصاميمها من طبيعة أم قيس الأثرية، بجمالها الفريد عبر الفصول الأربعة. وأضافت أن هذه القطع الفنية تجسد الماضي في تفاصيلها، وكأنها تروي قصة تاريخية بروح عصرية.
حبها لقطع الأنتيكا والإكسسوارات القديمة وطبيعة المكان الذي تسكنه والحكايات التي أخبرتها بها عائلتها جميعها عوامل زرعت بها الرغبة لتربط بينها وتعبر عن هذا الجمال من خلال هوايتها في صنع الإكسسوارات، وذلك في العام 2019.
تشير المصري إلى أنها بدأت مشروعها في الخرز بتصاميم بسيطة وفي كل يوم كانت تتطور من خلال تطبيق ما درسته، ومن خلال ورشات العمل والتدريبات الدائمة على تطوير المشاريع الصغيرة.
درست بكالوريوس نظم المعلومات الإدارية في جامعة اليرموك وتخرجت سنة 2014، وعملت في القطاع الخاص، وقد عانت وفق قولها، إذ كانت تذهب كل يوم من أم قيس للعاصمة عمّان، وبعدها أكملت مرحلة الماجستير في تقنيات التعليم وتخرجت العام 2018. وتبين المصري أن جميع عائلتها عاشوا في “الحارة الفوقا” بينما هي ولدت في الحي الجديد، فهي الأصغر في عائلتها، موضحة أنها أحبت ما كانوا يخبرونها به عن حياتهم القديمة وكيف كانت معيشتهم، وهذا الأمر جعلها تحب الأنتيكا وأصبحت تجذبها، فكانت في كل مكان تذهب إليه تأخذ قطعة كتذكار من هذا المكان.
وتنوه أن جميع نساء عائلتها يعملن ويمتلكن حرفة يدوية. فوالدتها كانت ماهرة في الخياطة، وكذلك شقيقاتها وخالاتها، حيث كان شغفهن وحبهن للحرف اليدوية يدفعهن لاستخدام حتى المسامير في صنع الصوف. وأكدت أن هذا الشغف كان الدافع الأساسي لها لبدء حرفتها الخاصة، مشددة على أهمية أن “تتقن المرأة حرفة بيديها”. وتذكر المصري أنها كانت تحب دائما أن ترتدي الإكسسوارات الغريبة والمختلفة والمصنوعة من النحاس، إذ يبدي الأشخاص المحيطون بها إعجابهم بجمالية وتميز ما ترتديه.
في عام 2019، بدأت جنى المصري تفكر في إنشاء مشروع صغير من المنزل، حيث بدأت بصنع أساور من الخرز. ثم جاءت جائحة كورونا، وخلال تلك الفترة، عملت على تطوير مشروعها. في كل مرة تزور مكانا جديدا، كانت تعود بنوع مختلف من الخرز وتتعرف على أحجار يمكن استخدامها. كما تعلمت كيفية دمج الألوان. استغلت جنى حبها لـ “الحارة الفوقا” والطبيعة لدمج الألوان مع أحجار مختلفة تعكس ألوان السماء والأرض والورود، مما أضفى على تصاميمها طابعاً فريداً مستوحى من البيئة المحيطة بها مثل الأرض والورود.
تعيش المصري في مجتمع حيوي يتميز بتنوع الغطاء النباتي، ويضم العديد من النباتات البرية. كل هذه العناصر كانت مصدر إلهام لها، وساعدتها على استلهام تصاميم قطعها الفنية من الطبيعة المحيطة بها، مما أضفى على إبداعاتها لمسة فريدة تعكس جمال البيئة. وتذكر المصري أنه خلال جائحة كورونا ظهرت بعض المنظمات التي تساعد النساء وأصحاب المشاريع الصغيرة، فكان هنالك منظمة ساعدتها بأن تسجل مشروعها “دحنونة” في وزارة الصناعة والتجارة كمشروع منزلي، وهذا الأمر ساعدها لتتطور وأتاح لها فرصا أكبر.
وفي فترة جائحة كورونا كانت المصري حريصة على تلقي العديد من الدورات التدريبية بمجالات مختلفة مع عدة منظمات، منها التسويق والترويج وإدارة المشاريع المحترفة والتي ساعدتها في تطور المشروع، وكما استفادت من تخصصها الدراسي وجميع المعارف والخبرات التي تعلمتها سخرتها في مشروعها.
كما حصلت المصري على منحة مالية مكنتها من شراء المواد التي تحتاجها في مشروعها، وبدأت تنتج قطعا مميزة وتسميها وفق اسم وردة ما، كما كانت تتحدث عن قصة هذه الإسوارة، وكيف استوحت فكرتها فكل قطعة لها قصة وحكاية.
والطلب الأكبر كان من العائلة بحسب المصري، فقد كانت الداعم الأول لها ومن بعدها بدأ يصلها طلبات من المجتمع المحيط بها، منوهة أنه كان لها نقاط بيع في مدينة إربد تعرض بها منتجاتها.
وبحكم عيش المصري في قرية أم قيس الأثرية في كل فترة يأتيها مشروع مهتم بآثار المنطقة، وفي سنة 2022 إحدى الجامعات البريطانية توجهت لعمل مشروع خاص بهم، ولذلك اختاروا عدة مشاريع في المنطقة ومشروعها كان من ضمنهم.
وضمن “مشروع CEARC” تلقت تدريبا في صياغة المجوهرات في شركة الجبل الفيروزي، وكان هذا حلما تطمح الوصول إليه بحسب قولها، وتم تسهيل الأمور لها ودعمها، وقد استمرت الدورة لمدة 5 أشهر لتنمي موهبتها وتصقلها.
وتبين المصري أنها اختارت “دحنونة” اسماً لمشروعها، لأنها تحب هذه الوردة فهي شيء متعلق بطفولتها ففي هذه الوردة تناغم وانسجام رهيب في الألوان بين الأحمر والنهدي والأخضر ما أعطاها إيحاء أنه “لماذا لا تدمج الألوان” وتستخدمها وتعكس طبيعتها والتضاريس المحيطة بها، ومن هنا بدأ الإلهام وتقول “الإنسان تتحرك مشاعره من أمور معينة ليدمجه ويخرج متناسقا وجميلا” .
تؤكد المصري أن جميع القطع التي يتم تصنيعها مستوحاة من المنطقة الأثرية وهدفها إبراز الهوية التراثية والثقافية لمدينة أم قيس، وهي صناعة يدوية من التصميم للإنتاج، مبينة أنها ليست خطوة واحدة بل عدة خطوات أولا التصميم، ومن بعدها الرسم على ورق الزبدة وبعدها التنفيذ.
وتذكر المصري أنها تعلمت كيف تصهر الفضة، إذ إن هنالك معادلة حسابية لكي تدمج النحاس بالفضة ليخرج حسب العيار 925 وهذا ليس بأمر عبثي فكل شيء مدروس بعيارات معينة، مضيفة أنه بعد الدمج والصهر تصب في قوالب إما على شكل سبيكة أو سلك، ومن بعدها تتعرض لعملية السحب ثم مرحلة النشر من بعدها عملية تلميع وتنظيف القطعة.
وكما يستخدمون الغاز ويتم تعريض القطعة لدرجات حرارة معينة لتتشكل القطعة ومن بعد تلميعها وتنظيفها يتم عرضها للزبون بالشكل اللائق.
وتذكر أن هنالك إقبالا كبيرا على الشراء خاصة من السائح الأجنبي، لأن هذه القطعة التي يبتاعها تعكس الرمزية الأثرية والثقافية لمدينة أم قيس، ولكن في الفترة الأخيرة تأثرت الحركة السياحية بالأوضاع في غزة وأصبحت أخف، وقد أثرت على جميع المشاريع في المنطقة.
تصاميم المصري لا تستهدف فقط الفتيات بل والشباب كذلك، لأنها لم تحدد الفئة التي تبتاع هذه القطعة، فالقطع التي تصنعها تناسب الطفل والفتاة والكبير.
وتبين أن القطع المميزة والأنتيكا المشغولة بطريقة معينة ترغب بها فئة معينة، فالرمزية التي تحملها هذه القطعة لا يراها الجميع.
وتعترف أنها دائما تميل للعمل مع النساء اللواتي يعملن في الزراعة والحصاد والخياطة وغيرها من الحرف التي لم تعد حاضرة كما السابق، ولكن ما زالت المرأة تعمل ومن حقها دائما أن تكون مميزة ويبرز جماليتها فهي ترمز للمرأة أكثر في تصاميمها.
وتروج المصري لتصاميمها من خلال صفحاتها عبر منصات التواصل الاجتماعي؛ الانستغرام والفيسبوك، وتعمل من خلالها على التسويق لتوسيع المشروع، كما تركز على التصوير بشكل مميزة يبرز جمالية المكان إذ تريد أن يرى الناس المكان من خلال القطعة.
وفي حديثها عن التحديات تبين المصري، أنها مرت بالكثير ولكنها كانت تتعلم منها وتدفعها للأمام وتمنحها القوة، فقد وجدت عملها الذي تحب بالمنطقة التي تحب، مبينة أن الإنسان يجب أن يتكيف مع ظروفه ويستخدم كل ما تعلمه في الحياة في المشروع الذي يسعى له.
وتذكر أنها موجودة اليوم في مركز الزوار في جمعية أصدقاء الآثار ولها زاوية تعرض فيها منتجاتها، وأكثر ما تطمح له أن يكون لها مكانها ومتجرها الخاص والذي يضم ورشتها وتعرض بها تصاميمها، بالإضافة إلى أن يكون هنالك تواصل مباشر مع الزبائن، فهي تطمح بأن تروي قصة المكان بشكل أكبر.
ووفق قولها: “السائح الذي يأتي دائما يسأل عن المكان ويستعلم عن المنطقة. تبدأ بسرد قصص أخبرتها بها عائلتها”.
وتختتم المصري حديثها بأنها تسعى لأن تطور من مهاراتها الحرفية، وأن تتعلم شيئا جديدا، فهي دائما تجرب وتتعلم لوحدها من التصميم للإنتاج، مؤكدة أنها من خلال القطعة الفنية التي تصممها يعرف الزائر حكاية المكان فهي ذكرى حقيقة تحمل معاني كثيرة للمكان.
كما تسعى لأن يتطور عملها ويكبر، وأن يتم إنتاج مجموعات لتصاميمها، وكل مجموعة تخص قصة معينة، كما صرحت عن رغبتها في تدريب الفتيات على صياغة المجوهرات، لأن هذه المهنة غير موجودة في الشمال وتطمح أن تنتشر فيها.